الرئيسية  الموسوعة  تاريخ الجيش  الانقلابات العسكرية  معلومات تفصيلية

انقلاب الشيشكلي الثاني(29/11/1951):

أسباب الانقلاب
يشرح السيد محمد سهيل العشي الأسباب المباشرة لقيام الشيشكلي بانقلابه الثاني ضد الحكم المدني فيقول: «في 29 تشرين الثاني 1951 قام أديب الشيشكلي بانقلابه الأبيض الثاني، أما سبب الانقلاب فيعود إلى أن العقيد الشيشكلي لم يعد مرتاحاً لسياسة حزب الشعب وخاصة معروف الدواليبي، وقد علم أن مشروعاً لتسريحه من الجيش كان يعد بين رئاسة الوزارة والقصر مما دعا الاستعجال في حركته الانقلابية، خشية من أن يصبح ثانية خارج القوات المسلحة، وهو لم يحقق بعد مراميه».
والحقيقة أن الخلاف بين الشيشكلي والدواليبي لم يكن مجرد خلاف شخصي، أو لغايات شخصية، وإنما كان خلافاً بين مؤسستين تسيطر على كل منهما عقلية مختلفة:
• حزب الشعب الذي يتمسك بحرفية الدستور، ويطالب الجيش بالابتعاد عن السياسة تاركاً الحكم لأصحاب الحق فيه وهم أعضاء الحكومة ومنهم وزير الدفاع الذي يجب أن يكون مدنياً مثل زملائه في بقية الحقائب الوزارية.
• قيادة الجيش التي ترى أن وزارة الدفاع هي«وزارة فنية وليست(سياسية)»، ولهذا ينبغي أن يتولاها ضابط عسكري يحوز ثقة رئاسة الأركان العامة، لكي يكون هناك تعاون مثمر بين الجبهتين.
ولو قدر لحكومة معروف الدواليبي أن تستقر في الحكم بضعة أشهر لكان من المؤكد أن تقوم بفصل الدرك والشرطة عن وزارة الدفاع وإعادتهما إلى وزارة الداخلية من جهة، ولكان من المحتمل أن يضرب وزير الدفاع(الدواليبي نفسه)ضربته ويقوم بتسريح العقيد أديب الشيشكلي ومجموعة الضباط الاشتراكيين، لكي يبسط هيمنته من جديد على الجيش، كما كان عليه الحال في زمن الحناوي، من جهة ثانية.
تقويم حكم الشيشكلي
حاول أديب الشيشكلي أن يمثل دور «الدكتاتور العادل» بعدد من الإصلاحات في مجال الاقتصاد والمال والحياة الاجتماعية فضلا عن الحياة السياسية:
1 ـ الإصلاحات الاقتصادية
ومنها على سبيل المثال:
• إنشاء مشروع تجفيف الغاب واستصلاح أراضيه وتوزيعها على الفلاحين
• وضع الأساس لموقع معرض دمشق الدولي، على ضفة بردى.
• إلغاء مؤسسة حصر التبغ والتنباك (الريجي) الأجنبية، وإلحاقها بوزارة المالية.
• إحداث شركة مساهمة لإنشاء واستثمار مرفأ في مدينة اللاذقية، لاستخدامه بدلاً من مرفأ بيروت، وذلك بعد حدوث القطيعة الاقتصادية السورية - اللبنانية في 18/3/1950.
• إلغاء الرقابة على النقد الأجنبي الوارد إلى البلد، وفرض الرقابة على النقد السوري الخارج من البلد.
• تأميم شركتي الترام والكهرباء في دمشق وحلب.
2 ـ الإصلاحات المالية:
من هذه الإصلاحات:

  •  إصدار قانون النقد السوري.
  •  وضع نظام أساسي للعملة السورية.
  •  إنشاء مصرف سورية المركزي، نزولاً عند مشورة الخبير الألماني شاخت، وذلك لكي يتولى إصدار العملة السورية مكان (مصرف سورية ولبنان) الذي هو شركة «فرنسية.»
  •  إقرار مبدأ فرض الضرائب التصاعدية، والتخفيف قدر الإمكان من الضرائب غير المباشرة التي تقع على كاهل ذوي الدخل المحدود بشكل خاص.

3 ـ الإصلاحات الاجتماعية

حاول الشيشكلي رفع مستوى الطبقات المحرومة من فئات الشعب السوري، وخاصة فئة الفلاحين، وعشائر البدو، والطبقات الفقيرة، ومن التشريعات التي أصدرها في هذا المجال:

  •  قانون توزيع أملاك الدولة، الذي سمح بتوزيع 5 ملايين هكتار على 150 ألف أسرة فلاحيه بهدف توطين نصف مليون نسمة، وربطهم بالأرض.
  •  مشروع إنارة الريف بالكهرباء.
  •  تحضير العشائر وتوطينها وربطها بالأرض.
  •  شيوع التعليم وإلزامية المرحلة الأولى منه.
  •  قانون الإصلاح العقاري لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر.

الأخطاء التي ارتكبت في فترة حكم الشيشكلي:
• قانون إلغاء الأحزاب السياسية.
• قانون جمع الصحف في أربع صحف فقط.
• قانون منع انتماءالطلاب والمعلمين والموظفين أو العمال إلى الأحزاب السياسية، والاشتغال بالسياسة.
أما سياسة الشيشكلي الخارجية العربية فقد كانت قائمة على الحذر من العراق والأردن، وبمعنى آخر من الهاشميين، وكانت قائمة على التعاون مع محور مصر والمملكة العربية السعودية، ومحُايدة مع بقية الدول العربية.
أما في السياسة الخارجية فقد قام الشيشكلي بتمسكه الكامل بالحقوق الفلسطينية والدفاع عنها والقتال في سبيلها، وكانت سياسته الخارجية معتمدة على احترام الكيان الوطني السوري العربي في كل ما يتعلق بذلك مع الدول الأجنبية، وقد روى الأستاذ الفاضل جورج شاهين حين كان وزيراً للمالية في عهد الشيشكلي، بأن الولايات المتحدة عرضت عن طريق النقطة الرابعة إنشاء الأوتوستراد بين دمشق وبيروت وحلب وبغداد وعمان، شرط أن يكون لها حق استعمال هذه المنشآت في زمن الحرب، فرفض الشيشكلي هذا العرض.
إزاحة الشيشكلي (25/2/1954)
اعتقد الشيشكلي أن الأحوال قد استقرت له بعد وصوله إلى كرسي رئاسة الجمهورية، وبعد فرض دستوره الرئاسي وحزبه الواحد (حركة التحرير العربي) الذي نال الأغلبية في المجلس النيابي، ولكن زعماء الأحزاب الأخرى لم يرضخوا لهذه الحقيقة، بل عقدوا اجتماعات سرية لتنسيق المعارضة فيما بينهم، وحركوا أنصارهم في رحاب الجامعة والشارع، وقرروا إسقاط الشيشكلي في أقرب فرصة ممكنة. ورد الشيشكلي على ذلك بفرض الأحكام العرفية وزجّ زعماء الأحزاب السياسية في السجن، وزاد في النقمة على الشيشكلي أعمال القمع التي حدثت في جبل العرب في شهر كانون الثاني 1954، والتي سقط فيها بعض القتلى والجرحى .. وانتقلت حركة التذمّر إلى أوساط الجيش وقادها الضباط المتعاونون مع الأحزاب، وخاصة حزب الشعب وحزب البعث العربي الاشتراكي.
في الساعة 21.00 من مساء 25 شباط 1954 قررّ الشيشكلي تقديم استقالته إلى مجلس النواب، وأذاعت محطة دمشق في نشرة الأخبار المسائية، صيغة الاستقالة.
وبعد إذاعة الاستقالة أصدر رئيس الأركان العامة الزعيم شوكت شقير التعميم التالي:
بعد أن اطلعْ رئيس الأركان العامة فخامة رئيس الجمهورية الزعيم أديب الشيشكلي على أحداث هذا اليوم وعلى رغبة الجيش، تقدم فخامته باستقالته وغادر البلاد.
وبالفعل سافر الشيشكلي إلى بيروت في سيارة الرئاسة، حوالي الساعة العاشرة من مساء ذلك اليوم، حيث بقي فيها ليلة واحدة استقل بعدها طائرة سعودية أقلّته إلى الرياض. وبقى في الرياض بضعة أيام إلى حين حصوله على جواز سفر سعودي باسمه يخوله السفر إلى بلدان أوروبا وأمريكا ومن ثم ركب الطائرة إلى باريس.