الرئيسية  الموسوعة  تاريخ الجيش  الانقلابات العسكرية  معلومات تفصيلية

انقلاب الشيشكلي الأول (19/12/1949):

في صباح يوم الاثنين 19/12/1949 قام العقيد أديب الشيشكلي بحركة عسكرية أزاح بها اللواء سامي الحناوي وبطانته من قيادة الجيش، ونصب مكانه الزعيم فوزي سلو مديراً لوزارة الدفاع الوطني، والزعيم أنور بنود رئيساً للأركان العامة، واكتفى هو بمنصب «نائب رئيس الأركان العامة»، ولو أنه كان يمارس مهام «القائد الأعلى للجيش والقوى المسلحة» من الناحية الفعلية.

وما قام به الشيشكلي ذلك اليوم لم يكن «انقلاباً» بالمعنى الدقيق، حيث بقي رئيس الدولة، السيد هاشم الأتاسي، في منصبه، وبقي مجلس النواب - الذي كان «مجلساً تأسيسياً» - يمارس عمله في صياغة الدستور تحت رئاسة السيد رشدي الكيخيا، رئيس حزب الشعب، وأما الحكومة (الوزارة) فكانت مستقيلة أصلاً، منذ 12/12/1949 حين تم انتخاب رئيسها السيد هاشم الأتاسي لمنصب «رئيس دولة».
والحقيقة أن الشيشكلي كان يطمح لأن يصبح الرجل الأول في سورية، أو الأول في الجيش السوري على الأقل، وهذا ما عمل له بجد منذ انقلاب حسني الزعيم، الذي كان إلى حد كبير من تدبيره في الأساس، ولهذا حاول الزعيم التخلص من نفوذ الشيشكلي في الجيش، بتعيينه ملحقاً عسكرياً لدى المملكة العربية السعودية، ولما لم يتيسر له ذلك قام بتسريحه قبل أقل من أسبوع من انتهاء عهده.
أ ـ التعريف بأديب الشيشكلي:
ولد أديب الشيشكلي في مدينة حماة في شهر تشرين الثاني 1909، وكان والده حسن الشيشكلي واحداً من الملاكين الزراعيين في المدينة، ولذا دفعه بعد حصوله على الشهادة الإعدادية من مدرسة التجهيز بحماة، نحو الانتساب إلى المدرسة الزراعية التي كانت في بلدة السلمية.
وبعد حيازته شهادة هذه المدرسة لم يعمل أديب الشيشكلي في الزراعة، بل التحق بالمدرسة الحربية التي كانت قائمة في جامع دنكز بدمشق، في شهر تشرين الأول 1929، وتخرج منها برتبة ملازم ثانٍ في عام 1932، حيث تم تعيينه قائداً للموقع العسكري في بلدة البوكمال.
ومنذ أيام خدمته الأولى لم يكن أديب الشيشكلي على وفاق تام مع رؤسائه من الضباط الفرنسيين، لذا فقد تأخر ترفيعه إلى رتبة ملازم أول حتى عام 1938، وإلى رتبة «رئيس» نقيب حتى عام 1944، وحين حاصر الجيش البريطاني مع القوات الديغولية سورية، خلال شهر حزيران 1941، نقل أديب الشيشكلي إلى حامية الرقة، حيث اشترك هناك في القوة التي حاولت إيقاف تقدم الرتل البريطاني من العراق إلى سورية لاحتلال مدينة حلب.
وخلال شهر أيار 1945 كان الشيشكلي من أوائل الضباط الذين هجروا مراكز قيادتهم والتحقوا بالقوات الوطنية، والتحق بدير الزور ووضع نفسه تحت تصرف محافظها السيد غالب ميرزا.
وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين في 29/11/1947، وتشكيل جيش الإنقاذ كان المقدم أديب الشيشكلي من أوائل المتطوعين في هذا الجيش، ودخل فلسطين في 8/12/1947، وعمل في البداية مساعداً للقائد العام فوزي القاوقجي، ثم قائداً لفوج اليرموك، وكانت مدينة صفد آخر مدينة كلف بالدفاع عنها.
وحين حل الضعف والتفكك بهذا الجيش، استقال الشيشكلي منه وعاد إلى ملاك الجيش السوري في 20/7/1948، وقد جرى ترفيعه إلى رتبة عقيد بعد ذلك بمدة قصيرة.
وعند قيام الزعيم حسني الزعيم بانقلابه يوم 30/3/1949 كان الشيشكلي المحرك الفعلي لهذا الانقلاب، وقاد القوات الأساسية فيه وهي وحدات اللواء الأول، ولكن الزعيم بعد أن استقر له الأمر خشي من طموح الشيشكلي، فقام بمحاولة تهميشه، ولما لم يستطع أصدر أمر تسريحه في 8 آب 1949، ولكن الحناوي أعاده بموجب المرسوم رقم /6/ تاريخ 18 آب من العام نفسه.
أما عن عقيدته السياسية فتقول بعض المصادر إن الشيشكلي انتسب فعلاً إلى الحزب القومي السوري في أوائل الأربعينيات وحافظ على عضويته فيه، بينما أشارت مصادر أخرى إلى تلاقيه فكرياً مع مبادئ هذا الحزب: «كان إيديولوجياً على علاقة وثيقة بمفهوم سورية الطبيعية الخاص بالحزب السوري القومي، وآمن بدولة جمهورية غير طائفية، لذا كان خصماً للأماني التوسعية الهاشمية»، وهذا ما دعاه في الواقع للقيام بحركته هذه لما أحس بأن الحناوي سمح لزعماء حزب الشعب بجر البلاد إلى مشروع للاتحاد مع العراق، بينما كان هذا لا يزال مكبلاً بالمعاهدة البريطانية، وإذا كان الشيشكلي قد تعاون جيداً مع مصر والسعودية فيما بعد، فهذا التعاون كان لإيجاد محور عربي قادر على الوقوف في وجه المحور الهاشمي العراقي - الأردني، دون أي ارتباط بسلطة أجنبية، ويؤكد هذا باتريك سيل بقوله: «ولا يبدو أي شك في أن الشيشكلي والحوراني إذ قاما بانقلابهما كانا مستقلين عن أي تأثير خارجي».
أسباب الانقلاب:
قال أديب الشيشكلي، في محاولة منه لتبرير الحركة التي قام بها في 19/12/1949، «إنه إنما أتى فقط لإنقاذ نظام سورية الجمهوري واستقلالها، ومنعها من الوقوع تحت النفوذ البريطاني، أو النفوذ الملكي، أي منع مشروع الهلال الخصيب».
واتفق أغلب المحللين والكتاب السياسيين على اعتبار هذا هو السبب المباشر لحركة الانقلاب ومن هؤلاء باتريك سيل، الذي يعتبر أن صيغة القسم الوحدوية كانت تدل دلالة واضحة على أن مشروع الاتحاد مع العراق كان سائراً في طريق التنفيذ، تحت سمع سامي الحناوي وبصره، بمباركة منه أو رغماً عنه.
ويتفق الكتاب والمحللون العرب حول هذا المنحى لتحديد أسباب هذا الانقلاب، فيقول نصوح بابيل الكاتب والصحفي: «وكانت الغاية من ذلك تثبيت استقلال سورية ونظامها الجمهوري، وإعادة السلطات إلى ممثلي الأمة الشرعيين».
الإنجازات التشريعية في هذا العهد:
لم تحل الخلافات التي كانت قائمة بين الجيش وحزب الأغلبية البرلمانية (حزب الشعب) دون تحقيق إنجازات تشريعية, سواء على المستوى المدني أو العسكري.
* ففي المجال المدني: أصدرت حكومة خالد العظم الأولى المرسوم رقم /86/ تاريخ 12 آذار 1950 بإقرار (قانون التجارة البحرية), ثم المرسوم /112/ تاريخ 13 آذار 1950بإعتماد (قانون أصول المحاكمات الجزائية), وهو عمل كان من الضرورة بمكان لتفعيل (قانون العقوبات العام) الذي صدر في أواسط شهر أيار 1949.
وهناك عمل تشريعي صدر على شكل قانون عن الجمعية التأسيسية في زمن حكومة ناظم القدسي الأولى, وبضغط من نواب حزب الشعب, وهو القانون رقم /19/ تاريخ 27 آب 1950, بمنح عفو عام عن جميع الأفعال التي ارتكبت بدوافع سياسية أو على حقوق سياسية بين 30 آذار 1949 و31 كانون الأول من العام نفسه. والغاية من هذا القانون منع محاكمة اللواء سامي الحناوي وأعوانه, الذين كانوا قيد التوقيف منذ يوم 19/12/1949 حتى تاريخ صدور هذا القانون, وتم الإفراج عنهم دون أي محاكمة بموجب نصه الصريح.
* وفي المجال العسكري: تم إصدار عدة تشريعات في المجال الانضباطي – الجزائي, وفي مجال الأمن, ومنها:
- المرسوم رقم /264/ تاريخ 8/2/1950, بتصديق نظام المجالس الانضباطية العسكرية.
- المرسوم التشريعي رقم /61/ تاريخ 27/2/1950, بإصدار (قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية).
- المرسوم رقم /450/ تاريخ 13/3/1950, بكيفية تشكيل القضاء العسكري.
- المرسوم رقم /640/ تاريخ 20/4/1950, بتنظيم الطيران العسكري والأجنبي فوق الأراضي السورية.