انقلاب سامي الحناوي (14 آب 1949):

في صباح يوم الأحد تاريخ 14 آب 1949 وقع انقلاب مضاد أطاح بحكم المشير حسني الزعيم وبحياته معاً، بعد مدة لم تزد على 137 يوماً قضاها في الحكم، منها 50 يوماً في منصب رئاسة الجمهورية. وكان قائد الانقلاب الجديد هو العقيد سامي الحناوي.
تعريف بسامي الحناوي:
ولد محمد سامي الحناوي في مدينة حلب سنة 1898، وفي عام 1916 دخل إلى المدرسة الحربية في أسطنبول، وتخرج منها في أوائل عام 1918 حيث خدم أواخر الحرب العالمية الأولى في قفقاسيا وفلسطين. وعمل في درك منطقة الاسكندرونة، ثم اتبع دورة «إعادة تأهيل» في المدرسة الحربية بدمشق وتخرج منها برتبة ملازم ثان، والتحق بعد تخرجه بالقطعات الخاصة منذ عام 1927، وظل فيها إلى ما بعد استقلال سورية.
التحق بالقوات الوطنية برتبة رئيس (نقيب)، وخدم في عدة مناطق، وخاصة في منطقة الفرات والجزيرة كقائد فوج، وقد عرف في هذه الفترة بالعلاقة الجيدة التي كانت تربطه بزملائه ومرؤوسيه، وشارك العقيد سامي الحناوي في معارك فلسطين سنة 1948، وأبدى شجاعة في معركتي (تل العزيزات)، و(تل أبو خنزير).
وقد أمر الزعيم حسني الزعيم بترقيته من رتبة مقدم إلى رتبة عقيد، وفي اليوم التالي لانقلاب حسني الزعيم تمت ترقيته إلى رتبة زعيم بموجب المرسوم رقم /1/ تاريخ 15/8/1949. وبموجب المرسوم رقم /5/ تاريخ 18/8/1949 سمي رئيساً للأركان العامة بالوكالة، بالإضافة إلى وظيفته كقائد عام للجيش والقوى المسلحة.
قررت حكومة السيد هاشم الأتاسي أن تكافئه على تسليمها مقاليد الحكم، فرفعته إلى رتبة لواء، بموجب المرسوم رقم /322/ تاريخ 12/10/1949، كما أنها أصَّلت تعيينه في منصب رئاسة الأركان العامة بموجب المرسوم رقم /567/ تاريخ 21/11/1949.
أسباب الانقلاب:
كان حسني الزعيم بطبيعته قادراً على خلق الأعداء ضده أكثر من قدرته على حشد الأصدقاء إلى جانبه، وقد أدت السياسة غير الحكيمة التي اتبعها إلى انفضاض أنصاره من حوله، وظهور حركة معارضة سرية ضده في الأوساط العسكرية والمدنية على السواء. وبلغت هذه الحركة ذروة نشاطها في شهر تموز 1949، بعد أن أقدم الزعيم على زج نفر كبير من رجال السياسة في السجون، وبعد تسريح عدد كبير من الضباط حتى من أولئك الذين شاركوه في انقلاب 30 آذار 1949 من أمثال العقيد أديب الشيشكلي، والعقيد سعيد حبي..
هوية الانقلاب:
يتفق أغلب الباحثين والمحللين السياسيين، الذي كتبوا عن فترة الانقلابات في سورية، على أن انقلاب سامي الحناوي كان بعلم صاحبه أو دون علم منه ـ «انقلاباً بريطانياً في ظل عباءة عراقية»، وأن حكم الحناوي، لو دام واستقر له الأمر، كان سيؤدي حتماً إلى وحدة عراقية - سورية، أو إلى اتحاد فيدرالي عراقي - سوري على الأقل، في ظل ما كان يسمى «مشروع الهلال الخصيب»، الذي كانت تروج له بريطانيا، ويؤكد ذلك السيد خالد العظم في مذكراته: «فما كان من بريطانيا إلا أن لجأت إلى تدبير انقلاب معاكس قضى على حسني الزعيم، واستولى على الحكم جماعة من المدنيين والعسكريين يميلون إلى العراق وإلى الانكليز، وكانت فكرة الاتحاد السوري - العراقي ترمي إلى إدخال سورية في كيان يرتبط مع بريطانيا، بحيث يتم لها بهذه الواسطة السيطرة على الشرق الأوسط العربي كله».
ولم يكن غريباً وجود تباين في موقف الحكومات الأجنبية من الانقلاب، فقد رحبت بريطانيا به، بينما وقفت فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية موقف التحفظ منه، وانعكس الأمر نفسه على وسائل الإعلام الأجنبية، وانحازت كل مجموعة إلى مصالح بلدها.
والمعركة معركة بترول أولاً وأخيراً، بين السلطتين الأمريكية والبريطانية، وقد اقتنعت بريطانيا فيما بعد بأن تنضم إلى المعسكر الأمريكي حيث تستطيع تأمين مصالحها عن طريق الوئام أكثر مما تستطيعه في أسلوب أخر».
نهاية حكم سامي الحناوي:
شهد الأسبوع الثاني من شهر كانون الأول 1949 اشتداد التوتر في أوساط الجيش بسبب تعاظم النشاط العراقي في البلد، إضافة إلى ما كان يتسرب من أخبار عن خلفيات «صيغة القسم» وعن تواطؤ اللواء سامي الحناوي مع حزب الشعب والوزير العراقي المفوض في دمشق، ويصف غالب العياشي الجو المتوتر الذي ساد سورية حينذاك بقوله: «في الأيام التي سبقت إقصاء اللواء سامي نقل إلي بعض الضباط من مصادر موثوقة أن بعض رجال السياسة اشترطوا على اللواء سامي اعتقال عدد كبير من الضباط حتى يتسنى لهم حمل الجمعية التأسيسية - ولو بالقوة إذا اقتضى الأمر - على إقرار المشروع الاستعماري فوراً، وبعد نقل هذا الخبر بأقل من ثلاثة أيام، أي مساء الجمعة في 16/12/1949 استدعى اللواء سامي إلى منزله خمسة من كبار الضباط بعد أن هيأ الوسائل اللازمة لاعتقالهم، ولكنه عندما علم أن سر الاعتقال قد ذاع بين أوساط الجيش، واتخذت التدابير المعاكسة له، رجع عن تنفيذ خطته، ولكنه في اليوم التالي أمر بإجراء بعض التنقلات في قيادة القطعات».
وتصف «الموسوعة العسكرية» الوضع المسيطر في الجيش قبل إزاحة سامي الحناوي بأيام قليلة كمايلي: «لم يكن أمام القوى المناوئة للاتحاد (العراقي - السوري) سوى خيار واحد، وهو التحالف مع ضباط الجيش المعارضين لأي تقارب عراقي سوري يفقد سورية استقلالها ويربطها بالمخططات الأجنبية، ولقد وجدت هذه القوى في العقيد أديب الشيشكلي حليفاً مناسباً، وكان أكرم الحوراني محرك هذه القوى وصلة الوصل مع الشيشكلي»وفي 19 كانون الأول 1949 قام الجيش بقيادة أديب الشيشكلي بانقلاب عسكري دعمه الحزب العربي الاشتراكي وقوى وطنية وجمهورية أخرى»، وهكذا انتهى الانقلاب العسكري الثاني في حياة سورية بعد أن عاش أربعة أشهر وأربعة أيام لا أكثر.