انقلاب حسني الزعيم (فجر الأربعاء 30آذار 1949):

أسباب الانقلاب
لم يكن قد مضى ثلاث سنوات على استلام وحدات الجيش السوري من سلطات الانتداب الفرنسي، حتى خاض هذا الجيش الفتي حرب فلسطين بإمكانيات متواضعة سواءً من حيث العَدد أو العُدد أو تدريب الأفراد، مع ذلك فقد تمكن من خوض معارك باسلة وتحقيق نتائج مقبولة في هذه الحرب. وقد كان الشعور العام لدى قيادة الجيش السوري ولدى ضباطه أنّ القيادة السياسية لم تكن على مستوى الطموحات والآمال المعقودة عليها، وأنه كان بالإمكان الخروج بنتائج أفضل لو كان هناك إعداد واستعداد كافيان من الهيئات السياسية الحاكمة.
وبالمقابل فإن الهيئات السياسية الحاكمة، سواء على المستوى التشريعي(مجلس النواب)، أم على المستوى التنفيذي(رئيس الجمهورية والحكومة)، كانت تأخذ على القيادة العسكرية أن النتائج التي حصل عليها الجيش في حرب فلسطين (احتلال ثلاث مستعمرات وتَّليْن ومساحات صغيرة من المناطق الحدودية) كانت أدنى من المأمول، ولذلك عملت على إقالة قائد الجيش(الزعيم عبد الله عطفة)، وقائد الرتل السوري المكلف بالهجوم(العقيد عبد الوهاب الحكيم) بعد فشل الهجوم السوري على مستعمرتي(دكانيا ـ آ) و(دكانيا ـ ب) في الثلث الأخير من شهر أيار 1948.
وقد تفاقمت أزمة انعدام الثقة وتبادل الاتهامات بين الطرفين في أوائل عام 1949 من جراء إقدام بعض النواب والزعماء السياسيين على انتقاد قيادة الجيش تحت قبة البرلمان وعلى صفحات الجرائد.
بل إن الحكومة، تحت ضغط هذا الاتجاه، شكلت لجنة برلمانية برئاسة السيد صبري العسلي وعضوية عدد كبير من النواب .«باشرت في تحقيقاتها واستفساراتها واتخذت مركزاً لها في مقر وزارة الدفاع الوطني.وبعد البحث والتدقيق استمعت إلى إفادات ثلاثين ضابطاً من ضباط الجيش السوري في مقدمتهم حسني الزعيم.. وفي النهاية نَظمت ضبطاً بلغ المائتي صفحة، ولا يُعلم ماذا حل بهذه التحقيقات بالموضوع».
ولم تنتظر الحكومة ـ التي كانت يرأسها خالد العظم ـ نتيجة هذه التحقيقات، بل أخذ بعض أعضائها يتهمون علناً ضباط القيادة بالفساد.
وقد تحمل الجيش هذه الحملة المغرضة بصبر في بداية الأمر، إلا أنّ حدثين هامين وقعا في النصف الأول من شهر آذار 1949جعلا قيادته تتذمر علناً من هذه الأوضاع وتطالب الهيئات السياسية الحاكمة صراحة بإصلاحها:
• الحدث الأول كان توقيف عدد من الضباط والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع بتهمة الفساد.
• الحدث الثاني هو قيام الحكومة، في محاولة منها لإيجاد وسائل من شأنها إصلاح الوضع النقدي في البلاد، بتخفيض رواتب العسكريين، وعدم إقرار العلاوات التي تم اقتراحها لهم في مشروع قانون الجيش الجديد، الذي رفعته وزارة الدفاع إلى مجلس النواب، ولم يعتمده هذا المجلس بعد.
إن جملة هذه الأوضاع سبّبت اتساع مشاعر الاستياء لدى أفراد الجيش وقياداته. ويصف لنا أحد الضباط السوريين المعاصرين للأحداث مشاعر الإحباط التي كان الجيش يعاني منها في ذلك الوقت فيقول:
«كان الجو مهيئاً في القوات المسلحة(لحدوث انقلاب) بعد الاتهامات الموجهة إليها، وبعد سوء سلوك بعض السياسيين تجاهها، ووصل الأمر إلى امتهان كرامة الجيش، وأخطأ جميل مردم بك خطأً فادحاً حين أهان أحد ضباط الجيش في الجبهة، كما كان لأحمد الشرباتي أسوأ الأثر لتصرفه كوزير دفاع مع قيادة الجيش قبل مجيء حسني الزعيم».
وقد حاول حسني الزعيم نقل مشاعر الاستياء هذه، التي كانت تسيطر على الجيش، إلى قائده الأعلى الرئيس شكري القوتلي، فطلب مقابلته في 25/3/1949، وقدم له «مذكرة خطية» موقع عليها من حوالي خمسة عشر ضابطاً من كبار ضباط القيادة، وتحوي عدة مطالب لإصلاح الوضع كان أهمها:
1 ـ محاكمة المسؤولين عن عدم تحضير الجيش وإعداده وتسليحه وتجهيزه منذ عام 1945 حتى حرب فلسطين.
2 ـ تصديق قانون الجيش من قبل المجلس النيابي في دورته الحالية، وقبل إقرار الموازنة وغيرها من القوانين.
3 ـ عدم التعرض في المستقبل لمناقشة أمور الجيش في جلسات علنية.
4 ـ الكف عن مناقشة المسائل العسكرية من قبل المدنيين، وتعيين اللجان لها من العسكريين الموجودين في الخدمة الفعلية.
نص المذكرة التي قدمها حسني الزعيم إلى رئيس الجمهورية في أواخر شهر آذار 1949
ولكن الرئيس القوتلي لم يقرأ «المذكرة» ولم ينظر في مطلب القادة العسكريين الذين قدّموها،بل وجّه اللوم إلى الزعيم على استلامها منهم وتقديمها باسمهم، وقال له من الأفضل الاهتمام بتدريب الجيش وتنظيمه بدلاً من تقديم « الاستدعاءات».
وكانت هذه المذكرة، أو بالأحرى رفض استلام هذه المذكرة والنظر في محتواها، من قبل رئيس الجمهورية هي السبب المباشر التي حفزت حسني الزعيم على أن يجمع الضباط القادة في القنيطرة ويفاتحهم في أمر الانقلاب.
ويقرّ خالد العظم في مذكراته بأنه أعد مرسوما بتسريح الزعيم، وحمله إلى الرئيس القوتلي طالباً منه اعتماده بتوقيعه، كي يستبق ما يعُّده الزعيم، ولكن القوتلي طلب من العظم التريث إلى ما بعد التوقيع على اتفاقية الهدنة مع إسرائيل! ويعلق العظم على ذلك بقوله: «وهكذا سمحنا لحسني الزعيم أن يتغدّى بنا».
وقد تكون هذه الحادثة هي التي دفعت بشكل مباشر حسني الزعيم إلى القيام بانقلابه ضد شكري القوتلي.
أما الأسباب غير المباشرة فكثيرة: بعضها عام يتعلق بالمساس بكرامة الجيش ككل، وبعضها خاص يتعلق بالمساس بكرامة حسني الزعيم شخصياً، وخاصة الهجوم الذي شنّه عليه النائب فيصل العسلي، رئيس الحزب التعاوني الاشتراكي تحت قبة البرلمان.
ولم تكن معنويات المدنيين أفضل من معنويات رجال الجيش وقادته في تلك الفترة(آذار 1949). ويقدم لنا النائب السابق غالب العياشي صورة قاتمة عنها حيث يقول: «كان لابد إزاء هذه البوادر من نشوب ثورة شعبية داخلية تطهر النفوس من خبثها وعاداتها البالية (...) وهكذا كان العقلاء يسعون للوصول من وراء كفاحهم ونضالهم بعد نيل الاستقلال، فكانوا يهيئون السبل لذلك، ويعدون القوة له فإذا بالجيش يسبقهم إلى هذه الوثبة الجبارة (أي الانقلاب)، التي فرح الشعب لها وأيدها ورحب ترحاباً لا مثيل له بها، و توخى من ورائها التقدم والحياة الهنيئة التي ترتكز على دعائم القوة والفضيلة والتجدد».
وتؤكد مذكرات خالد العظم، رئيس الحكومة السورية في ذلك الوقت هذه الشهادة، لكنه يلقي بالمسؤولية عن مساوئ الحكم على عاتق شكري القوتلي وجميل مردم بيك فيقول: «كان القوتلي ومردم بيك أسوأ ممثلين للقادة الذين تسيطر عليهم حاشيتهم فيطلقون يدها لقاء دعمها وتأييدها لهم في الأوساط الشعبية. وكان هذان الزعيمان العامل الرئيسي لقيام الموجة الكاسحة التي أيدت انقلاب حسني الزعيم تخلصاً من عهد ذميم مرذول».
من هو حسني الزعيم؟
ولد حسني الزعيم في مدينة حلب سنة 1894، وكان أبوه يعمل مفتشاً في الجيش العثماني. أتمَّ دراسته الابتدائية في حلب والإعدادية في دمشق، ثم التحق في المدرسة الرشيدية العسكرية في اسطنبول وأدرنه حيث تخرج منها برتبة ملازم ثان سنة 1917، والتحق في الخدمة في المدينة المنورة. ثم اشترك في معارك فلسطين أوائل عام 1918 حتى وقع أسيراً في يد الإنكليز حيث نقلوه إلى مصر. وعندما أطلق سراحه التحق بالجيش العربي الفيصلي، ولكنه لم يلبث أن استقال من الخدمة لأنه لم يكن راضياً عن مركزه.وعند تشكيل«القطعات الخاصة» التابعة لجيش الشرق الفرنسي سنة 1921 تطوّع فيها، ثم اتبع دورة تأهيل في (المدرسة الحربية) بدمشق فثبِّت بعدها برتبة ملازم فملازم أول فنقيب 1928، ثم رفع إلى رتبة مقدم عام 1934. أُرسل إلى فرنسا لاتباع (دورة اجتياز رتبة) ولما عاد منها تم ترفيعه إلى رتبة عقيد عام 1941.
وبعد ترفيعه إلى هذه الرتبة بقليل حصل الهجوم البريطاني -الديغولي على المنطقة، فقام الجنرال دنتر، قائد قوات فيشي في سورية ولبنان، بتسليمه كمية من التجهيزات والأسلحة والعتاد، ومبلغاً من المال، لتشكيل قوة تدافع عن دمشق بأسلوب حرب العصابات، وقد بدأ الزعيم بتنفيذ هذه المهمة فعلاً، ولكنه لما لاحظ أن الإنكليز والديغوليين هم المنتصرون، توارى عن الأنظار في أواسط شهر حزيران 1941، وعندما استقر الأمر لقوات فرنسا الحرة (الديغولية). علم قائدها الجنرال كاترو بأمر المال والتجهيزات فأمر بالقبض على حسني الزعيم ومحاكمته، حيث تمّ الحكم عليه بعقوبة السجن مع تجريده من الرتبة العسكرية. وبعدما استلم شكري القوتلي رئاسة الجمهورية (آب 1943) توسّط في شأنه فتم إطلاق سراحه عام 1944 حيث عاش دون عمل حتى استقر الحكم الوطني بعد الجلاء، وأعيد حينئذ حسني الزعيم إلى الخدمة وعين قائداً للمنطقة الشرقية في دير الزور، ثم مديراً للشرطة والأمن العام في دمشق.
وبعد إقالة الزعيم عبد الله عطفة رئيس الأركان العامة، والعقيد عبد الوهاب الحكيم قائد الرتل السوري، جرى تعيين الزعيم حسني الزعيم قائداً للجيش ورئيساً للأركان لأنه كان الضابط الأقدم، فمكنه هذا المنصب من تحقيق طموحه القديم بأن يستلم الحكم في سورية.
عُرف حسني الزعيم أنه كان يهوى الحياة العسكرية الصارمة، وكان يقلد في تصرفاته الشخصيات العسكرية التي لعبت دوراً أساسياً في تاريخ شعوبها. وقد حاول أن يقلد أتاتورك بإلغاء الأوقاف الذرية وإدخال الحفلات الساهرة في نوادي الضباط. والزعيم حسني الزعيم هو الضابط السوري الوحيد الذي كان يرتدي المونوكل (العوينة الواحدة) على الطريقة البروسية، كما يظهر في بعض صوره.
هوية الانقلاب
أكد الزعيم أكثر من مرة، في مقابلاته الصحفية أن حركته حركة عربية محضة، لم تأخذ ولا تأخذ أوامرها من أيه دولة أجنبية، ويميل أغلب المحللين السياسيين والمؤرخين إلى الاقتناع بصحة قوله في هذا المجال، ولكن هناك نفراً من هؤلاء وأولئك، وخاصة الأجانب منهم يميلون إلى تأكيد وجود يد أجنبية، وهي اليد الأمريكية وراء الانقلاب، وهناك من يقول أنه كانت هناك أكثر من يد أجنبية ساعدت حسني الزعيم على القيام بانقلابه، ويأتي على رأس هؤلاء المشككين مايلزكوبلاند، أحد رجال المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث يقول في كتابه المعروف «لعبة الأمم»: «كان انقلاب حسني الزعيم، من إعدادنا وتخطيطنا فقد قام فريق العمل السياسي بإدارة الميجر (ميد)بإنشاء علاقات صداقة منتظمة مع حسني الزعيم ومن خلال هذه الصداقة اضطلعنا نحن في السفارة بمهمة وضع كامل خطة الانقلاب، وإثبات كافة التفصيلات المعقدة، إلا أن تحركاتنا لم تثر أكثر من شكوك لدى الساسة السوريين، فقد كانت كلها سرية ومتقنة الوضع والتخطيط».
ويربط مؤلف روسي بين انقلاب الزعيم وبين خطط تسويق البترول وشحنه من منطقة الشرق الأوسط إلى بلدان الغرب الأوربي والأمريكي حيث يقول: «كان للحرب العربية - الإسرائيلية عام 1948 أعظم الأثر على مصير اتفاق التابلاين مع سورية، طالب الكثيرين في العالم العربي باستخدام سلاح النفط كوسيلة للضغط على الغرب. وكانت سورية بالنسبة لتصدير النفط من أهم الأقطار العربية على الإطلاق، رغم كونها أكثرها تحسساً بالهزيمة، فقد شهد عام 1948 صراعاً نفسياً مريراً حول اتفاق التابلاين، واستجابة لموقف الرأي العام السوري المعارض بعنف لهذا الاتفاق عمد البرلمان إلى تأجيل مناقشة الاتفاق، وفي نهاية شهر آذار 1949 أطاح انقلاب حسني الزعيم بالحكومة، وحُلّ البرلمان فأخرج الاتفاق من دائرة الجمود بعد أن زالت عقبة قانونية من طريقه».
أما وكالة تاس السوفيتية فإنها تجعل الانقلاب «إنتاجاً مشتركاً» بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، حيث تقول في نشرة لها أصدرتها عند وقوع الانقلاب: «وكان انقلاب حسني الزعيم في 30 آذار مؤامرة دبرتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بالتعاون مع السفارة الفرنسية بدمشق، للإطاحة بالنفوذ البريطاني في المنطقة، فمن المعروف أن هذه المنطقة الغنية بالنفط تشهد اليوم صراع الحلفاء من أجل الثروة».
والحقيقة أنه ينبغي على الباحث الحيادي أن يميز بين أمرين: أن يكون الانقلاب من تدبير أمريكا شيء، وأن يكون الأمريكيون قد استفادوا منه أكثر من غيرهم شيء آخر، إذ إن الأمر الأول مجرد احتمال، أما الثاني فحقيقة مؤكدة وفي تقييم خالد العظم للانقلاب يقول: «ولا استبعد وجود يد أجنبية سعت إلى قلب الأوضاع في سورية، ولئن كان من الصعب إثبات هذا الأمر بأدلة محسوسة، فإن تطور الحوادث السابقة واللاحقة تسمح بالشك في ذلك». والاعتقاد بأن الانقلاب حركة داخلية محضة، استغلتها بعض الأطراف الأجنبية لمصلحتها بعد نجاحها، (اتفاقات التابلان)، (اتفاق تصفية الأملاك الفرنسية المعلقة)، وهذا الرأي يؤيده المحلل السياسي البريطاني باتريك سيل، حيث يقول في الحكم على هذا الانقلاب: «ذكرت المصادر الموثوقة الأمريكية أن المخابرات الأمريكية والبريطانية علمت بوقوع الانقلاب قبل أيام، ولكنها لم تفعل شيئاً لمؤازرته، أو لدفعه (أي منع وقوعه)، إن المساندة للزعيم جاءت بعد الانقلاب، وإن تصديق الزعيم لهذه الاتفاقيات (أي التابلاين والأنابيب البريطانية)، يجب أن يؤخذ على أساس أنه انعكاس لحاجة الزعيم إلى كسب الأصدقاء للاعتراف بانقلابه، أكثر مما هو دعم فرنسي أو أمريكي أو بريطاني لتجهيز الانقلاب قبل القيام به».
إنجازات الانقلاب
بدأ الانقلاب بداية جديدة تجسد رغبة الجماهير في القضاء على المساوئ التي كانت متفشية في العهد الوطني الأول، ولكن رصيده بدأ يتناقص شيئاً فشيئاً في قلوب هذه الجماهير، لأنه لم يستطع إزالة المساوئ السابقة، بل أنه أضاف إليها مساوئ أخرى.
ويمكن تقسيم منجزات العهد الإيجابية إلى المجالين المدني والعسكري كما يلي:
آ ـ ففي المجال المدني
حقق عهد حسني الزعيم جملة منجزات تشريعية منها على سبيل المثال: إلغاء الأوقاف الذرية، وسن قانون بفرض ضريبة على «الأرباح الفاحشة» وإقرار قانون مدني جديد بدلاً من (مجلة الأحكام العدلية)، وقانون عقوبات جديد بدلاً من (قانون الجزاء العثماني)، وقانون تجاري جديد بدلاً من (قانون التجارة العثماني)، الذي تجاوز الزمن بأحكامه.
كما أصدر الزعيم تشريعات تم تطبيقها في حينه ثم أُلغيت أو زال مفعولها مع تغير الزمن، ومن هذه التشريعات:
• تشكيل لجنة تحقيق في قضايا سوء استعمال السلطة وباستغلال النفوذ للإثراء غير المشروع، وقد عيّن الزعيم عدداً من القضاة ورجال السياسة والضباط للاشتراك في لجنة التحقيق هذه وإتمام عملها.
• المرسوم التشريعي رقم /105/ تاريخ 4 حزيران 1949 بتأليف مجلس عدلي للنظر في الجرائم المنصوص عنها في قانون حماية الاستقلال.
• المرسوم التشريعي رقم /125/تاريخ 11 حزيران 1949 بإحداث مكتب شكاوى، حيث «كان يلجأ إليه كل من يدعي بشكوى حديثة كانت أم قديمة، وعن طريق هذا المكتب كانت تنسق الشكاوى وتحال إلى المراجع ذات الصلاحية لدرسها وإعطاء الأجوبة عليها بعد التحقيقات عنها بسرعة». ويبدو أن غاية الزعيم من إنشاء هذا المكتب كانت للدعاية لحض أبناء الشعب على انتخابه كرئيس جمهورية، لأنه أنشأه في الفترة التي رشح نفسه لهذا المنصب، ثم ألغاه بعد حوالي شهر ونصف بالمرسوم رقم /25/ تاريخ 21 تموز 1949، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية.
ب ـ أما في المجال العسكري: يمكن الإشارة إلى المنجزات التالية:
1ـ حاول الزعيم زيادة عدد أفراد الجيش فطبق نظام خدمة العلم وأصدر نظاماً خاصاً بتعيين الأفراد والرتباء في الجيش والتعاقد مع الرتباء المسرحين دون التقيد بشرط السن، وحفظاً لكرامة الجنود، ألغى الزعيم النظام الذي كان متبعاً وهو استخدام «وصيف» لدى كل ضابط، وعوّض الضباط عن ذلك بمنحهم تعويضاً مالياً مقطوعاً باسم «بدل وصيف» وذلك بموجب الأمر العسكري رقم /4/ تاريخ 31/3/1949.
وبالنسبة للضباط قام الزعيم بإعادة عدد من الضباط الكبار للخدمة(اللواء عبد الله عطفة، العقيد عبد الوهاب الحكيم ..)، وبتعيين نفر من الضباط العراقيين في الجيش والطيران (الرؤساء: حسن ذنون، عصام مريود، محمود الرفاعي ...) وتجنيس الضباط اللبنانيين الذين يرغبون الخدمة في الجيش العربي السوري (المقدم شوكت شقير ...) كما أمر الزعيم بتسوية أوضاع حوالي ستين ضابطاً فلسطينياً تم تثبيتهم برتبة ملازم ثان في الجيش السوري، وبهذا الشكل ازداد عدد الضباط بشكل ملحوظ، مما اقتضى تشكيل لجنة خاصة لتصنيف هؤلاء الضباط وتثبيتهم في الرتب التي يستحقونها.
واهتم الزعيم بتزويد الجيش بالعدد اللازم من الأطباء والصيادلة سواء عن طريق التطوع أم عن طريق الدعوة إلى خدمة العلم.
2ـ أشرك الزعيم فئات المدنيين في واجب المساهمة في الدفاع عن الوطن، وذلك عبر المرسوم التشريعي رقم /137/ تاريخ18 حزيران1949، بتسمية الأول من كل شهر باسم (يوم التبرع للجيش) يُدعى فيه المواطنون من مقيمين ومغتربين إلى التبرع للجيش بما لا يقل عن نفقات يوم كامل.
ومن هذا القبيل أيضاً جواز مصادرة العمال للمشاركة بأعمال التحصين حيث قضى المرسوم التشريعي رقم /32/ تاريخ 30 تموز1949 بـ «تخويل وزير الدفاع الوطني تكليف العمال في الأعمال الإنشائية التي يقوم بها الجيش لتعزيز وسائل وأسباب حماية الأراضي السورية».
3 ـ أصدر الزعيم قانوناً جديداً لتنظيم وزارة الدفاع الوطني،المرسوم التشريعي رقم /151/ تاريخ 22 حزيران 1949المتضمن تشكيلات وزارة الدفاع الوطني
وقانوناً جديداً للجيش المرسوم التشريعي رقم /152/ تاريخ 22 حزيران 1949 المتضمن قانون الجيش
وثلاثة مراسيم بإنشاء «الوسام الحربي» و «وسام جرحى الحرب» و« وسام الشرف العسكري». وبالإضافة إلى كل ذلك سلسلة من المراسيم والقرارات التنظيمية ضمن إطار قيادة الجيش ورئاسة الأركان العامة التي تولاها اللواء عبد الله عطفة من جديد.
الأخطاء التي ارتكبت في فترة حكم الزعيم
إن الإنجازات التي جرت خلال هذه الفترة في المجالين المدني والعسكري لا يمكنها أن تمحو الأخطاء التي اقترفت في المجال الخارجي فقد كبّل الزعيم سورية بعدد من الاتفاقيات الدولية المجحفة بحق الخزينة السورية والسيادة السورية، ويصف العياشي ذلك بقوله: «انهالت عليه الاتفاقيات الاقتصادية السياسية والعسكرية من الدول الغربية.. تلك الاتفاقات الجائرة التي قاومتها البلاد وحالت دون تنفيذها في زمن الحكام السابقين وأصبحت تبرم من قبل حسني الزعيم وبجرة قلم وبإرادة دكتاتورية فردية دون أن يكون للأمة رأي أو كلمة فيها».
والمعروف أن الدستور السوري الذي كان مطبقاً قبل الانقلاب هو دستور 1930، الذي كان يمنح الحكومة حق التفاوض على المعاهدات والاتفاقيات الأجنبية وتوقيعها، بينما كان يترك سلطة التصديقRATIFICATION لمجلس النواب، وسلطة الإبرامPROMULGTION لرئيس الجمهورية فلما وقع انقلاب 30 آذار 1949 أصبح الزعيم حسني الزعيم يمسك بالسلطتين التنفيذية والتشريعية معاً، وبهذا تمكن من إقرار خمس اتفاقيات دولية، مع حكومات وشركات أجنبية كان قد تعذر إقرارها في الحكم الدستوري الشرعي السابق وهي حسب التسلسل الزمني والأهمية:
1ـ اتفاقية التابلاين
وذلك لإمرار أنابيب البترول لشركة آرامكو الأمريكية من شرقي السعودية وعبر منطقتي حوران والجولان إلى مصفاة (الزهراني) في لبنان، وكانت الحكومة السورية قد سبق وعقدت هذه الاتفاقية مع الشركة ولكن مجلس النواب السوري لم يصدق عليها بسبب طول مدة الامتياز(70سنة) وقلة رسوم العائدات السنوية التي تدفعها الشركة إلى الخزينة السورية، وقد أعادت الشركة تفاوضها مع حسني الزعيم فصدق الاتفاقية كما هيـ بالمرسوم التشريعي رقم /74/ تاريخ 16 أيار 1949.
وحاول المحامي فتح الله صقال، المسؤول عن وزارة الاقتصاد الوطني في تلك الفترة، بعد أن أدرك فداحة الغبن الذي حلّ بالسيادة السورية بالخزينة العامة من جرّاء هذه الاتفاقية، أن يتدارك الأمر، فرفع مذكرة إلى رئيس مجلس الوزراء يقترح فيها تعديل بنودها تعديلاً جوهرياً، ويلخص تلك التعديلات في النقاط التالية:
1 ـ أن تكون للإنشاءات صلة وثيقة بالمشروع نفسه، وأن لا تتحدى السيادة القومية.
2 ـ أن تخضع الشركة لدفع جميع الرسوم والضرائب لأن المشروع تجاري بحت، تقوم به أربع شركات هي ولاشك أغنى شركات العالم.
3 ـ أن تتعهد الشركة بإنشاء مرفأ على أحد السواحل السورية نخص بالذكر ساحل اللاذقية.
4 ـ أن تتعهد الشركة بطرح قسم من أسهمها على الأسواق السورية.
5 ـ أن تتعهد الشركة باستخدام موظفين سوريين بنسبة 75بالمئة، وعمال سوريين بنسبة تسعين في المئة.
6 ـ أن تحدد للحكومة حصة سنوية بمبلغ يتناسب وضخامة المشروع.
7 ـ أن يباع الزيت الخام بالعملة السورية لا بالدولارات المفقودة في البلاد.
ولكن مقترحات الصقال لم يؤخذ بها.
2 ـ اتفاقية أنابيب الشرق الأوسط
وهي اتفاقية كانت الحكومة السورية قد عقدتها مع (شركة خطوط أنابيب الشرق الأوسط البريطانية)، التابعة لشركة البترول العراقية، وقد صدقها الزعيم كسلطة تشريعية وأبرمها كرئيس دولة، بالمرسوم التشريعي رقم /140/ تاريخ 20 حزيران 1949.
3 ـ اتفاقية إنشاء المصافي:
وهي اتفاقية إنشاء مصفاة بحرية أو أكثر(مصفاة بانياس) تم توقيعها مع (شركة المصافي البحرية البريطانية)، وقد صدقها وأبرمها حسني الزعيم بالمرسوم التشريعي رقم /141/ تاريخ 20حزيران 1949.
4 ـ الاتفاقيات السورية الفرنسية:
بموجب المرسوم التشريعي رقم /22/ تاريخ 20 نيسان 1949 قام الزعيم بتصديق ثلاث اتفاقيات معقودة بين الحكومة السورية وحكومة الجمهورية الفرنسية، وهي على التوالي: اتفاقية التصفية، اتفاقية المطاليب، واتفاقية المدفوعات، وقد صرّح الزعيم بعد ذلك إلى مندوب جريدة سويسرية ناطقة بالفرنسية حول ضرورة هذه الاتفاقية: «إن فرنسا صديقتنا، وسيُفتح عهد من التعاون والتفاهم بين باريس ودمشق».
5 ـ اتفاقية الهدنة السورية ـ الإسرائيلية:
التي تم التوقيع عليها في «مرتفع 232 قرب مستعمرة ماهانايم» يوم 20 تموز 1949، وكانت مجحفة بحق سورية، وقضت بانسحاب الوحدات السورية من الأراضي الفلسطينية التي كانت قد احتلتها (ومنها مستعمرة مشمارهاياردن)، وقد مثّل الجانب السوري في هذه الاتفاقية العقيد فوزي سلو، والمقدم محمد ناصر، والنقيب عفيف البرزي، والأستاذ صلاح الطرزي.
ويضاف إلى هذه الاتفاقيات الخمس المكتوبة، التي تشكل أخطاء خطيرة تم ارتكابها خلال حكم حسني الزعيم، وخطيئة أخرى غير مكتوبة، وهي خرقه لواجبات الضيافة العربية وتسليمه الدكتور أنطوان سعادة اللاجئ السياسي إلى الحكومة اللبنانية. وملخص هذه الحادثة هو أن الدكتور أنطوان سعادة، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، حرض حزبه على القيام بعصيان مسلح ضد الحكومة اللبنانية، وعندما فشل هذا العصيان لجأ إلى سورية فقبل حسني الزعيم لجوءه إليها وعيّنه للعمل كصحافي في جريدة «الأيام» وبعد تشكيل حكومة الدكتور محسن البرازي واستلامها الحكم في دمشق، استغل رئيس وزراء لبنان رياض الصلح قرابته للبرازي فأتى إلى دمشق حاملاً رسالة من رئيس الجمهورية بشارة الخوري يطلب فيها تسليم أنطوان سعادة إلى الحكومة اللبنانية، وبعد إقناع البرازي بذلك قابل رئيسا الحكومتين السورية واللبنانية الزعيم حسني الزعيم فوافق على التسليم يوم 7 تموز 1949. وتمّ إعدام أنطوان سعادة بأمر الحكومة اللبنانية، بعد محاكمة عاجلة، في يوم 8/ تموز/1949. وقد دفع الزعيم ورئيس وزرائه البرازي حياتيهما ثمناً لهذه الخطيئة، حيث تمّ إعدامهما بيد الضابط القومي السوري فضل الله أبو منصور صبيحة يوم انقلاب الحناوي على الزعيم بتاريخ 14/8/1949.