الرئيسية  الموسوعة  تاريخ الجيش  الجيش العربي السوري في فترة الوحدة 1958 ـ 1961  معلومات تفصيلية

أهم المعارك التي خاضها الجيش العربي السوري في فترة الوحدة
انفردت الجبهة السورية مع إسرائيل عن باقي الجبهات العربية بأنها كانت الجبهة الأخيرة التي وقعت اتفاقية الهدنة في 20 تموز 1949، ومنذ ذلك الحين لم تمض سنة إلا وحدثت فيها عدة اشتباكات وإغارات بين الطرفين، وكان سعي إسرائيل لضم الأراضي المجردة من السلاح الواقعة على الحدود تحت إشراف الأمم المتحدة وتنفيذ مشاريع زراعية ومائية في هذه الأراضي هو السبب الرئيسي في وقوع هذه الاشتباكات والإغارات، وخلال فترة الوحدة كانت معركة التوافيق، التي وقعت في 31 كانون الثاني 1960 إحدى المعارك المميزة من حيث حجم القوات التي اشتركت فيها والتحركات العسكرية التي رافقتها، وفيما يلي وصف عام لهذه المعركة:
معركة التوافيق 1960:

برزت في زحام الأحداث المتلاحقة، وعبر تيار التطورات المتسارع، واقعة قد يكون لزاماً التوقف عندها، وحملت اسم «معركة التوافيق» وجرت أحداثها في ليل 31 كانون الثاني/يناير/1960 (فجر 1 شباط/فبراير 1960) ولابد عند التعرض لهذه الواقعة من العودة قليلاً لبعض الأحداث المقترنة بهذا الموقع الجيواستراتيجي فقرية «التوافيق» التي تنسب إليها المعركة تقع فيما كان يعرف في تلك الفترة باسم «القطاع الجنوبي» من الجبهة وقد أشير إلى أن الجبهة السورية - الإسرائيلية كانت مقسمة لثلاث قطاعات (الشمالي ومقر قيادته مسعدة ، والأوسط ومقر قيادته العليقة ، والجنوبي ومقر قيادته العال)، وكانت تدافع عن كل قطاع قوة لواء مدعم بالمدفعية والدبابات ووحدات احتياطية وكتائب حرس وطني، علاوة على الاحتياط العام في منطقة قيادة الجبهة «القنيطرة» وكانت «التوافيق» تحتل موقعها على مرتفع يشرف على بحيرة طبرية وعلى المستعمرات الإسرائيلية الواقعة جنوبي البحيرة كلها، وجرت المعركة في قرية التوافيق السفلى المقابلة للنصف الجنوبي من بحيرة طبرية، وعلى بعد 1300 متر فقط من مستوطنة (بيت كاتسير) أي (تل القصر) والتي كان اليهود قد أقاموها في المنطقة المجردة من السلاح منذ العام 1950، وقد اعتبرت معركة التوافيق استمراراً للاشتباكات المتقطعة خلال النصف الثاني من عقد الخمسينات، فقط كانت الحدود السورية في تلك الآونة أكثر الحدود العربية - الإسرائيلية توتراً ، نظراً لأن الإسرائيليون كانوا في تلك الحقبة يحاولون الاستيلاء على المناطق المجردة التي حددتها اتفاقية الهدنة في العام 1949 والواقعة بين الأراضي السورية والأراضي الفلسطينية المحتلة، فتشتبك معهم المخافر السورية الأمامية، ويتسع بعد ذلك نطاق الاشتباكات حتى تشمل قطاعاً كاملاً من الجبهة أو تشمل الجبهة بكاملها، وكانت القوات الإسرائيلية تكتفي في بعض الاشتباكات بالرد الناري، وتقوم بعد الاشتباكات الأخرى بعمليات انتقامية تنفذها قوات تتوغل ضمن الأراضي السورية لنصب الكمائن أو شن الإغارات، وكانت الاستراتيجية السائدة في الجبهة السورية استراتيجية دفاعية بحتة، في حين كانت القوات الإسرائيلية تنفذ دفاعاً نشيطاً، وكان هناك اشتباك قد وقع في أيلول/سبتمبر 1957 بين أهالي قرية التوافيق وجماعة إسرائيلية مسلحة تقوم بمسح الأراضي في المنطقة المجردة لحفر قناة للري عبر التوافيق السفلى، ونجم عن ذلك قتل وجرح عدد من الإسرائيليين، وقد أدى ذلك الاشتباك إلى تخلي الإسرائيليين عن خططهم في حفر القناة عبر البلدة، ولكنهم سرعان ما عادوا للعمل بجد أكبر في حفر قناة بديلة إلى الغرب من القرية، مخترقة الأراضي العربية التابعة للقرية، وتدخلت قوات هيئة الأمم المتحدة، فأرسلت فرقة مساحة وضعت تقريراً تم تقديمه للجانب السوري ـ وجاء فيه: «إن القناة لن تلحق ضرراً بالأراضي العربية»، وكان الإسرائيليون شرعوا في اعتبار القناة بمثابة خط جديد للحدود، فأخذوا في التضييق على الفلاحين العرب الذين اعتادوا على عبور القناة لحراثة وزراعة أرضهم وكان من الطبيعي أن يحمل أولئك الفلاحون بنادقهم للدفاع عن أنفسهم تجاه عمليات الإرهاب المتواصلة من قبل العدو الصهيوني.
لعل من أبرز الاشتباكات التي وقعت بعد ذلك ـ والتي شملت كل القطاعات دونما استثناء، تلك المعركة التي حملت اسم (معركة الأول من نيسان/إبريل/ 1958) حيث وقع اشتباك بالنيران بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية شمل القطاع الأوسط بأكمله، وشاركت فيه من الطرفين المدفعية ومدفعية الدبابات والهاونات والرشاشات، وكانت الأسلحة الإسرائيلية تركز نيرانها على المواقع والقرى السورية، فيما كانت الأسلحة السورية تركز رمايتها على المستوطنات وتجمعات القوات الإسرائيلية، وتبع ذلك اشتباك مماثل في منطقة مزرعة الخوري (القطاع الأوسط أيضاً) يوم 6/11/1958، غير أن الاشتباك الأبعد أثراً والأشد عنفاً هو الاشتباك الذي حمل اسم (معركة الدرباسية ـ أو الدرباشية ـ يوم 3/12/1958)، حيث بدأ الاشتباك بعدوان يهودي على قرية الدرباشية، فأصدر قائد الجبهة (العقيد جادو عز الدين) أوامره الواضحة والصريحة بالرد على النار بمدافع الهاون، فعمل اليهود عندها على استخدام مدفعية الميدان في المعركة، فردت المدفعية السورية بنيران مضادة، وتجاوز القصف السوري حدود ميدان الاشتباك، فتم قصف المنطقة الخلفية لمسرح الاشتباك، وكانت النتيجة المباشرة إحراق المستعمرتين كفر سلط وزبيد، وتدمير مستودع للذخيرة لليهود في تل أبي الريش، وكذلك تدمير بطارية مدفعية بعيدة المدى في مربضها خلف مستوطنة نجمة الصبح، بالإضافة إلى تدمير وإصابة تسع دبابات إسرائيلية، وجدير بالذكر أن خسائر الجيش السوري في كل هذه الاشتباكات كانت ثانوية وأقل بكثير من خسائر الإسرائيليين، ويعود السبب في ذلك إلى عاملين رئيسيين: أولهما ـ طبيعة الأرض التي كانت تسمح للأسلحة السورية المتمركزة على سفح هضبة الجولان الغربية بالسيطرة على القوات الإسرائيلية التي تحشد وتنتشر في أرض منبسطة، وثانيهما ـ كثافة المستوطنات والكثافة السكانية ـ العسكرية والمدنية ـ في مدى نيران الأسلحة السورية.


بدأت حالة التوتر تزداد نتيجة للاستفزازات الإسرائيلية مع اقتراب العام 1959 من نهايته فقد عاد الإسرائيليون لمحاولة حفر قناة ثانية، ولكن القوات السورية حالت بينهم وبين حفر القناة، وفي يوم 24/12/1959 ـ أطلق سكان قرية التوافيق نيرانهم على قوات حرس الحدود الإسرائيلي، واستمر الاشتباك مدة أربع ساعات بالأسلحة الفردية مما أدى إلى قتل شرطي يهودي وجرح قروي عربي، وبدأت الاشتباكات تأخذ طابع التصعيد، واستنفرت قوات الجبهة، وأخليت قرية التوافيق من سكانها المدنيين استعداداً لمعركة بدأت بواكيرها في الظهور بشكل واضح، وفي ليل 31 كانون الثاني/يناير 1960 تأكدت وحدات الكمائن السورية التي كانت ترصد التحركات الإسرائيلية بحركة تقدم باتجاه قرية التوافيق، ففتحت قوات الكمائن نيرانها على القوة اليهودية التي قدرت بقوة سرية تتقدمها قوة استطلاع من (30 - 40) جندياً وسرعان ما اتسع نطاق الاشتباك العنيف ليشمل خط المواجهة في القطاع الجنوبي من الجبهة بكامله، ونجحت القوات السورية في إرغام القوات الإسرائيلية المغيرة على قرية التوافيق إلى التراجع حتى قاعدة انطلاقها داخل الأراضي المحتلة وأدى تراجع قوة الإغارة الإسرائيلية المغيرة على قرية التوافيق إلى التراجع حتى قاعدة انطلاقها داخل الأراضي المحتلة وأدى تراجع قوة الإغارة الإسرائيلية إلى قيام المدفعية الإسرائيلية بفتح نيرانها بكثافة عالية، فتم لها تدمير قرية التوافيق وبعض التحصينات الميدانية السورية، وإسكات مربض مدفعية سوري مع قصف قرى سكوفيا، وفيق، وكفر حارب، ومزرعة عز الدين، فردت المدفعية السورية بقصف المستعمرات الإسرائيلية المقابلة وعندما حاولت أربع طائرات ميستير إسرائيلية اختراق المجال الجوي الغربي (صباح يوم 1/2/1960) تصدت لها أربع طائرات سورية ميغ 17 (زوجين) الزوج الأول بقيادة النقيب نقولا خوري ومعه الملازم عدنان حيدر والزوج الثاني بقيادة الملازم أول موفق داغستاني ومعه الطيار المصري محمد المسيري واستطاع كل من قائدي الزوجين إسقاط طائرة معادية من طراز ميستير، وعادوا جميعاً إلى القاعدة سالمين، وكان لهذه المعركة الجوية أثر كبير على رفع معنويات الطيارين وتجسيد الوحدة السورية المصرية.
وكان هدف القوات الإسرائيلية من خلال عملياتها توسيع رقعة حدودها بالاستيلاء على الأراضي الزراعية في التوافيق، واحتلال تل التوافيق المتحكمة بمستعمرة (بيت كتسير - تل القصر) أو تحييدها على الأقل، وذلك بمنع الحياة فيها، إذ أقدم الجنود الإسرائيليون على تدمير معظم منازل البلدة السفلى فقط، حيث أنهم لم يستطيعوا الوصول إلى القسم العلوي من البلدة، نتيجة ردع الدفاع لهم. ومهما يكن من أمر فإن هذه المعركة حرمت القيادة الإسرائيلية من تحقيق أهدافها، فسرعان ما عادت الحياة إلى قرية التوافيق، على الرغم من كل المحاولات الإرهابية الإسرائيلية، وهكذا ومع وصول معركة التوافيق إلى نهايتها، وتوقف إطلاق النار على الجبهة السورية، كانت الأوامر قد صدرت بتحرك بعض الوحدات العسكرية القريبة من دمشق لدعم الجبهة السورية، وفي الوقت ذاته تلقت القيادة في مصر الأوامر بتحريك الفرقة الثانية (المشاة) والفرقة الرابعة (المدرعة) إلى سيناء، وتحركت الفرقة الثانية مشاة باتجاه الإسماعيلية على محور واحد ـ وكان في تنظيمها الفوج المدرع الثاني ـ فتم عبور قناة السويس على المعديات، وبعد أن انتهت عملية التجمع شرقي الإسماعيلية ـ تابعت الفرقة مسيرها باتجاه العوجة ـ وتوقفت في منطقة الحشد القريبة من جبل أم مرجم، أما فرقة المشاة الثالثة فكانت منتشرة شرق سدر الحيطان وتقوم بمناورتها في عمق سيناء، فلم تكن بحاجة لأكثر من إعادة التنظيم لدخول المعركة، وكانت مشكلة (الفرقة الرابعة المدرعة) هي المشكلة الحقيقية إذ تحركت بصورة عاجلة إلى مشارف العريش، وأمكن بعد 95 يوماً إنهاء هذه المناورات وعادت القوات إلى قواعدها في معسكرات فايد وغرب القاهرة.
في خاتمة معركة التوافيق:
تميزت معركة التوافيق بأنها كانت أكبر المعارك في فترة الوحدة، وذلك ضمن سلسلة المعارك التي جرت في تلك الفترة، والتي أشارت إليها المراجع الإسرائيلية* بأنها وصلت إلى أكثر من مئة هجوم من القوات السورية ضد القوات الإسرائيلية، وبغض النظر عن صحة عدد هذه الاشتباكات، فقد كانت إسرائيل إما المحرض عليها أو المسبب لها نتيجة السياسة التي كانت تتبعها في القضم المتتابع للمنطقة المجردة من السلاح، ومتابعة تنفيذ مشروعها بتحويل مياه نهر الأردن.