الرئيسية  الموسوعة  تاريخ الجيش  دور الجيش السوري في مواجهة الحشود التركية  معلومات تفصيلية

دور الجيش السوري في مواجهة الحشود التركية 

لقد أُشير سابقاً إلى موافقة حكومات تركيا وإيران ولبنان والعراق والأردن منذ بداية عام 1957 على ما عُرف بـ: (مبدأ آيزنهاور)، في حين تمسكت مصر بالحياد، وقامت سورية بمهاجمة هذا المبدأ بعنف. و«أقر الكونغرس الأمريكي الرئيس آيزنهاور على نظريته وأعطاه الصلاحيات الكاملة لاستخدام القوى المسلحة الأمريكية بدون الحصول على موافقة الكونغرس قبل الإقدام على التدخل».
وفي سبيل «احتواء» سورية وإعادتها إلى دائرة النفوذ الغربي عمدت السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط إلى تكتيك مزدوج، وهو التآمر على أمن سورية ، لقلب نظام الحكم فيها من الداخل، والضغط على حدودها من الخارج، من تركيا والعراق والأردن وحتى من لبنان!
وجاءت ثلاثة أحداث متتابعة زادت في حدة تأزم العلاقات الأمريكية - السورية خلال النصف الثاني من عام 1957:
«ففي السادس من آب وقّع وزير الدفاع السوري خالد العظم معاهدة اقتصادية وفنية واسعة المدى مع الاتحاد السوفييتي في موسكو، وبعد أسبوع جرى إبعاد ثلاثة دبلوماسيين أمريكيين اتهموا بالتآمر على قلب نظام الحكم (في سورية)، واتبع ذلك مباشرة تقاعد توفيق نظام الدين رئيس الأركان العامة وتعيين عفيف البزري، المعروف بتعاطفه مع السوفييت، بدلاً منه، وفي الوقت نفسه جرى تسريح العشرات من الضباط».


واستغلت وسائل الإعلام الأمريكية والخاصة هذه الأحداث لتقوم بحملة تهويل وتضخيم الأخطار التي أصبحت تسببها سورية لجيرانها في المنطقة، وجاء في تعليق جريدة نيويورك تايمز في الثامن عشر من آب 1957: «والسؤال الكبير الذي سيواجه المستر دالس وزعماء آخرين للدبلوماسية الغربية في هذا الأسبوع، هو ما إذا كانت الولايات المتحدة وجيران سورية الموالون للغرب سيحتملون وجود دولة تابعة للسوفييت أو ما يشابه ذلك، في قلب منطقة الشرق الأوسط؟».
وهكذا نجحت وسائل الإعلام الأمريكية في إيهام الدول المجاورة لسورية بأن هذه الدولة أصبحت تشكل خطراً عليها جميعاً. وللتنسيق بين هذه الدول «أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية لوي هندرسون، نائب وزير خارجيتها، إلى أنقرة، حيث اجتمع بعدنان مندريس رئيس وزراء تركيا، والملك العراقي فيصل الثاني، والحسين ملك الأردن (...) وفي السابع والعشرين من آب صرّح دالس وزير خارجية أميركا أن جيران سورية قلقون للكميات الكبرى من السلاح السوفييتي التي تدفقت عليها! ومن أنقرة انتقل هندرسون إلى بيروت حيث اجتمع بكميل شمعون ووزير خارجيتة شارل مالك، ثم عاد إلى واشنطن من غير أن يجري أي اتصال بالزعماء السوريين أو المصريين. وحال عودته هذا صدر بيان صحفي عن البيت الأبيض أظهر قلق البلدان المجاورة لسورية من السيطرة السوفييتية المتزايدة على سورية، والحشد الكبير من الأسلحة السوفييتية فيها».


وأضاف البيان أن الرئيس آيزنهاور قد سمح بزيادة شحن المواد الاقتصادية الدفاعية المقررة لاستعمال هذه البلدان وقد بُدئ بالفعل بشحن الأسلحة جواً إلى العراق والأردن».
وكان الإجراء الأول في عملية الضغط على سورية من الخارج هو الحشود التركية الضخمة على حدودها الشمالية، في شهر أيلول 1957، فقد استغلت الحكومة التركية «الضوء الأخضر» الذي تلقته من أميركا وحشدت أكثر من نصف قواتها على الحدود السورية - التركية بحجة القيام بـ «مناورات الخريف». ومثل هذا العمل لا يمكن أن يمر بدون إثارة الاتحاد السوفييتي الذي أنذر تركيا فعلاً، على لسان رئيس وزرائه، بأن إي عمل حربي ضد سورية ستواجهه موسكو بعمل مماثل ضد تركيا.
و«اتخذت مصر العربية خطوة حاسمة بصدد الأزمة، بعد أن تحقق لديها أن الغرض منها هو الضغط على سورية لعزلها عن مصر وضرب كتلة التحرر العربي، فبادرت مصر إلى إنزال وحدة من قوتها المسلّحة في ميناء اللاذقية (تشرين الأول 1957) لمساندة القوات السورية التي وقفت في مواجهة الخطر التركي».
وردت سورية على البيانات الأمريكية والحشود التركية الاستفزازية بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد حكومتي تركيا والولايات المتحدة الأمريكية معاً، وتطورت الأزمة إلى «أزمة دولية» بعدما أرسل الاتحاد السوفييتي طراداً حربياً إلى ميناء اللاذقية، وأرفق ذلك بتصريح من المارشال بولغانين، يتوعد تركيا بأنها «لم تصمد يوماً واحداً في حرب شرق أوسطية، وأن الاتحاد السوفييتي على استعداد لاستعمال القوة إذا لزم الأمر للدفاع عن مصالحه في المنطقة».
ونظراً لأن سياسة وزير الخارجية الأمريكية دالس، كانت تقوم على افتعال الأزمات الدولية، والدفع بها نحو الذروة (سياسة حافة الهاوية)، ثم القبول بحلها في آخر لحظة بعد تحقيق ما يمكن تحقيقه من مكاسب، فقد بدأ في «تَلْيين» الموقف الأمريكي تدريجياً، وأصدر الرئيس الأمريكي بياناً يفيد بأن «الوضع السوري آخذ بالاستقرار، وبدأ يخف الخطر الذي شعرت به دول عربية مثل لبنان والأردن والعراق والسعودية». وفي الوقت نفسه قبل الطرفين. وبعد نزع فتيل الأزمة سحبت الحشود التركية بعيداً عن منطقة الحدود السورية. وسحبت الحكومة السورية شكواها إلى مجلس الأمن.
ويشرح وليد المعلم الأسباب التي دعت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لافتعال هذه الأزمة بقوله:«استهدف التكالب على سورية بصورة خاصة وعلى المنطقة بصورة عامة، تحقيق ثلاثة أهداف:
1 ـ تصفية مشكلة إسرائيل على أساس الأمر الواقع، أي تحويل خطوط الهدنة إلى حدود دائمة.
2 ـ فرض تنظيم دفاعي يخدم المصالح الأمريكية وحدها.
3 ـ جر العرب للانحياز إلى السياسة الأمريكية في جميع المسائل الدولية، حتى تتحول المنطقة إلى منطقة نفوذ أمريكي».
وهكذا أثبتت سورية حكومة وجيشاً وشعباً أنها لا يمكن أن ترضخ للتهديد والوعيد، وأنها عصية على المؤامرات، وأنها بوسعها أن «تصادق من يصادقها وتعادي من يعاديها». وأثبت الجيش السوري بشكل خاص أنه جيش كفء، بوسعه أن يذود عن البلاد ويحميها من أي خطر خارجي حتى لو كانت إحدى الدول العظمى في العالم هي التي تشكل هذا الخطر. وبالتالي أصبح هذا الجيش أقوى وأكثر ثقة بنفسه وحلفائه، بعد استلامه الأسلحة السوفييتية الجديدة من جهة، وبعد وضع «ميثاق الدفاع المشترك» مع مصر قيد التطبيق من جهة ثانية.