يزخر تاريخ أمتنا العربية بالمحطات التاريخية المضيئة التي سطرها أبطالنا الميامين في نضالهم التحرري والدفاع عن عزة الوطن ومنعته في وجه كل معتد آثم, ومن هؤلاء الأبطال الشهيد يوسف العظمة وزير الحربية السوري إبان الانتداب الفرنسي الذي قدم أبهى صور التضحية والإقدام والشجاعة في معركة ميسلون الخالدة حيث أبى أن يدخل المستعمر الفرنسي دمشق دون مقاومة, ولد الشهيد البطل يوسف العظمة عام1884م في 6 نيسان في حي الشاغور ـ الصمادية, وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة (الياغوشية) بدمشق, ثم انتسب إلى المدرسة الرشيدية في جامع يلبغابحي البحصة عام1893م, وبعدها انتقل إلى المدرسة الإعدادية العسكرية في جامعه تنكز بدمشق عام1897م والتي تؤهل طلابها للدخول إلى مدرسة الضباط, ثم سافر إلى الآستانة عام 1899م للعلاج ولمتابعة الدراسة في مدرسة الإعدادية العسكرية (قله لي) لينتسب عام1900م إلى المدرسة الحربية (حربية شهانة)، التي تخرج منها عام 1903 برتبة ملازم ثان، وحاز على الدرجة الأولى مما أهله إلى دخول مدرسة أركان حرب, ومن ثم رفع إلى رتبة ملازم أول عام 1905م، ليرتقي لرتبة يوزباشي (نقيب) متفوق عام 1907م ونال رسام المعارف الذهبي السلطاني, أرسل بعدها إلى وحدات الجيش العثماني للتدريب العملي في صفوف القوات (مشاة ـ فرسان ـ مدفعية) فمن لواء الفرسان المرابط في ثكنة رامي بالآستانة التي أمضى فيها ستة أشهر نقل إلى فوج القناصة (نسنجي) العاشر في بيروت كمعاون للقائد الألماني (ديتفورت باشا), وفي عام 1908م دعي إلى الآستانة وعين مدرساً في مدرسة أركان الحرب ثم أوفد إلى أكاديمية (غريغ) للتدريب العملي في ألمانية, بعد عودته إلى الآستانة عام 1911م عين معاوناً للمفوض السامي العثماني في مصر, وفي عام 1912م عاد إلى الآستانة ليعين في القيادة العامة الشعبة الاولى, وفي عام 1913م عين معاوناً لرئيس أركان الفرقة عشرين ثم الفرق الخامسة والعشرين في حرب البلقان, وعند دخول تركية الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانية عين البطل يوسف العظمة رئيس أركان حرب الفيلق الأول, وفي عام 1917م نال رتبة جمباشي ( مقدم) ضمن قيادة الفريق يعقوب باشا, ومع نهاية الحرب العالمية الأولى عاد إلى دمشق عام1918م فاختاره الأمير فيصل بن الحسين مستشاراً له ثم كلف عام1919م بإدارة ديوان الشورى الحربي ليرفع بعدها عام1920م إلى رتبة قائمقام (عقيد) إذ عرف عنه تأييده للثورات السورية التي اندلعت ضد الانتداب الفرنسي, تولى الشهيد البطل في 5 أيار عام 1920م وزارة الحربية في وزارة هاشم الأتاسي ورفع إلى رتبة ميرألاي (عميد) حيث بذل جهوداً جبارة لتشكيل الجيش العربي السوري وإعداده تسليماً وتدريباً ثم عينه الملك فيصل في 23 تموز 1920م نائباً له في قيادة الجيش, وعرف عنه رفضه لإنذار غورو الشهير ورفضه تسريح الجيش فقد عمل البطل على جمع المقاتلين من حوله وعقد العزم على التصدي للقوات الفرنسية الزاحفة إلى دمشق لفرض الانتداب الفرنسي على سورية, ففي صباح يوم 24 تموز عام 1920م خاض مع مقاتليه الأشاوس معركة ميسلون رغم يقينه بأن النصر محال في ظل عدم توزان الكفة مع القوات الفرنسية المتفوقة في العدد والعدة لكنه أبى أن يدخل الفرنسيون دمشق إلا على جثث أبناء سورية الذين هبوا للدفاع عن وطنهم, لقد أبلى الشهيد البطل هو ورفاقه الأبطال بلاءً حسناً واستشهد عند الظهيرة بعد قتال مشرف في ملحمة خالدة, ونقل جثمانه الطاهر إلى مكان قرب خان ميسلون حيث دفن هناك مع رفاقه الشهداء.
نال الشهيد البطل يوسف العظمة في حياته الكثير من الأوسمة من الحكومة العثمانية (الوسام المجيدي الثالث, الوسام العثماني الرابع, نوط الحرب الألماني, نوط الحرب العثماني)، وكان يتقن اللغة العربية والتركية والفرنسية والألمانية والإنكليزية.
وتقديراً من القيادة السياسية في وطننا الحبيب لبطولة الشهيد البطل يوسف العظمة وما قدمه من تضحية وبطولة منقطعة النظير في التصدي للانتداب الفرنسي تم تحويل منزل الشهيد البطل إلى متحف يظهر نضال الشعب العربي السوري ضد الانتداب الفرنسي, وذلك لصالح وزارة الدفاع بموجب القرار /3046/ تاريخ22/7/1997م الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء لاستملاك العقار رقم /1747/ مهاجرين>و ثم صدر قرار السيد العماد وزير الدفاع نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة رقم /5164/ تاريخ 23/4/2001م بإحداث متحف الشهيد يوسف العظمة يقام في البناء الذي كان يقطنه الشهيد البطل يوسف العظمة في حي المهاجرين على أن يرتبط هذا المتحف بالإدارة السياسية، وحددت المادة الرابعة من القرار الأهداف التي أنشئ لأجلها المتحف بمايلي:
1- تجسيد الأطماع الاستعمارية في البلاد العربية وخاصة بلاد الشام ومعاهدة سايكس بيكو, ونتائج مؤتمر سان ريمو ( 19-26) نيسان 1920م, ووضع سورية تحت الانتداب الفرنسي.
2- تجسيد وشرح واقع معركة ميسلون ومقدماتها ونتائجها.
3- تجسيد الدور العربي في تحرير بلاد الشام من 10 حزيران 1916م وحتى 24 تموز 1920م.
4- تخليد شهداء وأبطال معركة ميسلون.
5- تمجيد وشرح الثورات السورية منذ أن وطئت القوات الفرنسية في بيروت وحتى الجلاء في 17/4/1946م, من ثورة الشيخ صالح العلي إلى ثورة هنانو إلى الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش وبقية الثورات في مختلف الأراضي السورية.
6- إحداث مكتبة تحوي المجلات والصحف والكتب التي تتحدث عن معركة ميسلون آثارها ونتائجها, وإحداث قاعة تمثل هجمية وتصرف القوات الفرنسية وإنذار غورو ومعركة ميسلون.
7- قاعة يوضع فيها بمقياس 500/1 تصور أرض معركة ميسلون.
8- قاعة تمثل الحكومات والوزارات التي تعاقبت خلال فترة الانتداب الفرنسي.
9- قاعة تمثل استقلال سورية.
إن متحف الشهيد البطل يوسف العظمة جاء كرد جميل لأولئك الأبطال وقائدهم الفذ الذين لبوا نداء الوطن في ملحمة ميسلون الخالدة على الدوام في وجدان شعبنا وذاكرة وطننا, وكعربون محبة ووفاء وتجديد للعهد بأن نحافظ على استقلال الوطن وسيادته مهما عظمت التحديات واشتدت المحن والملمات.